اختر صفحة

لا نريدُ أنْ نعْرِضَ لِتحْليلِ مَرَضِ التَوحْدِ وتَخْميناتِ الأطباءِ حَوْلَ أسبابِه ،ولكنْ نريدُ أنْ نَعْرِضَ الأسبابَ الوجيهةَ التي تَجْعلُ مِنْ إمكانيةِ مُعالجةِ عَوارضِ المرضِ في غيرِ بلدِ ولُغةِ ومُحيطِ الطفلِ المريضِ غيرَ ممكنة.

وبالتالي السببُ الذي يَدعو لتوْجيه النصيحةِ للآباءِ والأُمّهاتِ بعدمِ البحثِ عن العلاجِ في الخارج.وقبلَ الحديثِ عن العلاجِ لا بُدَّ من القولِ إنَّ مُنَظمةَ الصحةِ العالميةِ تعتبرُ حَسَبَ تصنيفها مرضَ التوحدِ عائدٌ إلى مشكلاتٍ أساسيةٍ عميقةٍ في العلاقاتِ الاجتماعيةِ والأُسَرِية، وفي اضطرابِ التواصلِ معَ منْ حَوْله مِنْ محيطه وفي سلوكه.

وكثيرٌ من الباحثينَ والأطباءِ يَعتبرُ التَوحدَ بأنَّه مَرضٌ متولدٌ غيرَ قابلٍ للشِفاء يَتعلقُ بالتواصلِ الفكري والمشاعري معَ المحيطِ نتيجةَ اضطرابِ وسائطِ التعاملِ والاستفادةِ من المعلومةِ اللازمة لذلك بعض الباحثينَ والمتخصصينَ في مشاكلِ التوحدِ يَعتبرُ أنَّ المشكلةَ متولدةٌ معَ الطفلِ نتيجةَ انحرافِ واسطةِ الاستفادةِ من المعلومةِ ، وتسخيرِها للتواصلِ معَ المجتمع،ويَبْرُزُ ذلكَ في ضعفِ أو انقطاعِ التواصلِ الاجتماعي والاتصال مع المحيط ، مع وجودِ أنماطٍ متعددةٍ وجوانبَ قوةٍ أحياناً في الاستيعابِ والانتباهِ والذاكرةِ والذكاء.

إذا تأملنا تحليلاتِ وتعريفاتِ أهلِ الاختصاص سَنَجِدُ أنَ الاتفاقَ واقعٌ على أنَّ سببَ التوحدِ ليسَ سبباً عُضوياً مُعَرَّفاً كامِناً في خللٍ فسيولوجيٍ أيْ في وظائفِ الأعضاء. وبالتالي ينتفي الأساسُ الذي يَمكنَ أن يُبنى عليه أيُ علاجٍ دوائيٍ أو جِراحيٍ أو إجراءٍ طبيٍ مِنَ الإجراءاتِ الطبيةِ المعهودة. فالعلاجُ الدوائيُ في التوحد إنما يكونُ فقط للأعراضِ المصاحِبةِ له مِنْ مثلِ الاكتئابِ أو العُدوانيةِ أو القلقِ أو القهر ، أو استخدامُ مادةِ الميلاتونين لمشاكلِ النوم. وأما ذاتُ المرضِ فلا يَرِدُ فيه استعمالُ الأدوية.

وهنا تبْرُزُ إشكالية محاولاتِ إبرازِ المرضِ كأيِ مَرضٍ عضويٍ يمكنُ التعاملُ مَعَه بالنَمَطِ الطبِّي الكلاسيكي.وإذا كانَ الأمْرُ كذلك ، فمنْ بابٍ أوْلى بيانُ دَجلِ وكَذِبِ أدعياءِ العلاجِ بالخلايا الجذعية ، الذين يُوهِمون الناسَ بإمكانيةِ علاجِ التوحدِ بحقنِ الخلايا الجذعية.ومحاولاتهم في مجالِ التوحدِ لا تعدو محاولاتِهم في الأمراض الطبيةِ المستعصيةِ الأخرى وسيرهمُ الحثيثُ لسرقةِ أموالِ الناسِ والإيقاعُ بهم وسرقةُ آمالهم وبعدها تحطمُيهم نفسياً. إلى هنا يمكنُ القولُ بعدمِ وجودِ علاجٍ عضويٍ للتوحد.

لكنْ لماذا نقولُ بِعدمِ فاعليةِ العلاجِ السلوكي في غيرِ بلدِ الطفلِ وفي غيرِ لغتهِ وفي غيرِ محيطه ؟

إنطلاقاً منْ إمكانياتِ تطويرِ السلوكِ الفردي والطاقةِ الكامنةِ لا بدَ مِنْ وضْعِ خطةِ علاجٍ شاملةٍ يُوضعُ فيها نوعُ العلاجِ لكلِ مَظهرٍ مِنْ مظاهرِ المرض،ويتم التوافقُ والاِنسجامُ بين هذه الأنواعِ المتعددة. وعندَ الاطفالِ لا بُدَ مِنْ أخذِ كاملِ المحيطِ بالحُسبان في خُطةِ العلاجِ من الآباءِ والعائلةِ وروضةِ الاطفالِ والمدرسة. وإذا كانَ الأمْرُ كذلك فلا يمكنُ أن نَنزِعَ الطفلَ مِنْ محيطهِ لعلاجه ، فإننا بذلك نُلغي كلَ أدواتِ التواصلِ الذهني والنفسي والعقلي بين الطفلِ وبين عالمه وبدلاً مِنْ أنْ نعالجَه نَزيدُ في مشكلته ونُعَقِدُّها. ونكونُ كَمنْ يريدُ إنقاذَ الغريقِ بِدفعه في وجهِ الطوفان . هذا هو السببُ الأولُ والأهمُ لِعدمِ إمكانيةِ علاجِ التوحدِ في غيرِ مجتمعِ ومحيطِ ولغةِ الطفل.

أما السببُ الثاني فهو أنَّ خطةَ العلاجِ لمرضِ التوحدِ تقومُ على المدى الطويلِ وتستمرُ وتصاحبُ الطفلَ مسيرةً تمتدُ سنوات ،وبالتالي لا يمكنُ لعائلةٍ أنْ تَهْجُرَ البلدَ وتعيشَ في الغربِ أو ألمانيا مِنْ أجلِ علاجِ التوحدِ علاوةً على استحالةِ دفعِ تكاليفِ العلاجِ والمعيشةِ طُوالَ هذه المدة.

لهذا نوَجِهُ رسالةً لأهالي الأطفالِ الذين يعانونَ مِن التوحدِ من الانتباه لإشكاليةِ إمكانيةِ علاجِ أطفالهم في ألمانيا أو غيرها.